اقتصاديون: خفض الدين العام السعودي لن يسهم في تحسين "أحوال" المواطن

اتفق اقتصاديون سعوديون على أن تخفيض الدين العام المحلي أو إطفائه بالكلية لايعني بالضرورة انعكاسا إيجابيا فوريا ومباشرا على مستوى معيشة المواطن، بقدر ما يساعد الدولة على تنفيذ مشروعاتها التنموية الضخمة، التي ستحقق لهذا المواطن الرفاه المنشود لاحقا.

وجاءت هذه المداخلات والرؤى في وقت لقيت أرقام الميزانية السعودية وبنودها ترحيبا عاما من مختلف شرائح المجتمع السعودي، لم يعكر صفوه إلا تساؤلات حائرة عن عدم تحقيق تحسن كبير في شروط المعيشة، رغم انحسار الدين العام، كواحد من أشد الهواجس الاقتصادية إقلاقا، وأكثرها استهلاكا للإيرادات، وذلك وفق ما يتردد على ألسنة السعوديين من الطبقتين المتوسطة والفقيرة.


أداة إنعاش

وقال أستاذ الاقتصاد في جامعة الملك عبدالعزيز الدكتور مقبل الذكير إن هناك حرصا بالغا من الحكومة السعودية على تخفيض الدين تمهيدا لإطفائه كليا، وقد تجلى في استغلال سنوات الفوائض الأخيرة لتحقيق هذه الغاية.

غير أن الذكير لفت إلى أن تسديد كامل الدين قضية محكومة بالوضع الاقتصادي القائم، حيث يعني الاستمرار في هذا الاتجاه ضخ أموال إضافية في قنوات الدائنين؛ ما قد يساهم في رفع مستوى التضخم، مردفا: ربما يكون هناك تريث في التخلص النهائي من الدين العام، مع الإبقاء على جزء منه لاستخدامه كإحدى أدوات السياسة المالية في إنعاش الاقتصاد إذا ما تعرض لحالة ركود، لأي سبب من الأسباب.

وأكد الذكير أن الحكومات لديها استعداد لايقارن أبدا باستعداد الجهات الأخرى لتسديد الديون، ومن هنا فإن السؤال يتمحور حول قدرة الحكومة السعودية على حسم الموقف بأي وقت، وهو ما لايشكك فيه أحد، خصوصا مع رفع التصنيف الائتماني للمملكة من (a+) إلى درجة (aa-) أخيرا.

واعتبر الذكير أن تخفيض الدين العام هو من الإجراءات الحكومية ذات الأثر غير المباشر، حيث لايمكن أن يضيف الكثير لدخل المواطن أو يرفع من مستوى معيشته، بقدر ما يساعد الدولة على إنجاز مشروعاتها الكبرى في قطاعات التعليم والخدمات والصحة وغيرها، وهو ما سيشعر به المواطن لاحقا.

ورأى الذكير أن توتر المنطقة كفيل بإعادة الدين العام إلى مستويات عليا، لكن هذا التوتر بات أبعد مع تنحية الخيار العسكري في الملف النووي الإيراني، مشددا على أن معظم الدين السعودي جاء من تداعيات خارجية بالدرجة الأولى، في حين أن البرامج الداخلية مهما بلغت ضخامتها تبقى مدروسة وخاضعة للضبط، ما يجعل الحديث عن دورها في تضخيم الدين غير دقيق تماما.


في حكم المنتهي

وذهب الكاتب الاقتصادي الدكتور عبدالعزيز الغدير إلى أن الدين العام أصبح "في حكم المنتهي" منذ الارتفاع الكبير في أسعار النفط، مضيفا: لايوجد لدى السعودية مشكلة دين عام بالمعنى الحرفي أو الفعلي، بقدر ما هو التزام حكومي بسياسة مالية تهدف للحد من السيولة النقدية المتداولة، منعا لتفاقم معدلات التضخم جراء توفر أموال كثيرة مقابل سلع قليلة، مستدلا على رؤيته بخطوتين اثنتين هما رفع الاحتياطي الإلزامي للبنوك المحلية، وترحيل 100 مليار ريال إلى صندوق الاحتياط.

ومع أن المعادلة الاقتصادية تقرن انخفاض الدين بارتفاع مستوى المعيشة غالبا، فقد اعتبر الغدير أن هذه المعادلة لم تؤت أكلها نتيجة انخفاض القدرة الشرائية للريال بأكثر من 10% خلال الأشهر الإثني عشر الأخيرة بفعل التضخم، مذكرا بأن سلم الرواتب لم يخضع للمراجعة أو التعديل منذ 20 سنة تقريبا، باستثناء الزيادة التي أقرت عام 2005 وكان مقدارها 15%.

وقد خففت مثل هذه العوامل من إحساس المواطن بآثار الانتعاش الاقتصادي، بل إنها عكستها أحيانا، حسب تعبير الغدير، الذي شدد أن خفض الدين العام سيظهر أكثر من خلال تخفيض الرسوم وتوفير الخدمات وحل مشاكل الإسكان عبر توفير القروض، وغير ذلك من الخطوات التي تحتاج فترة مديدة لتأخذ مفعولها.


بعدٌ قيمي

وافتتح الدكتور يوسف الزامل تعليقه على مسألة الدين العام بالقول إن الميزانيات من الناحية النظرية ينبغي أن تكون متوازنة تضمن للدول إدارة اقتصادها بعيدا عن شبح الديون، لكن لجوء الحكومات إلى الاقتراض صار بمثابة العرف المنتشر حتى لدى البلاد الأكثر غنى، رغم أنه سلوك غير صحيح في أساسه.

وعبر أستاذ الاقتصاد في جامعة الملك سعود عن اعتقاده بتوجه المملكة نحو إغلاق ملف الدين العام نهائيا في أسرع وقت ممكن، مبينا: إضافة إلى البعد الاقتصادي الحيوي لتسديد الدين فإن هناك بعدا قيمياً يدفع بهذا الاتجاه قدما، من منطلق رغبة صناع القرار الكبار في حسم هذه القضية المعتمدة على نظام الفوائد.
لكن الزامل لم يستبعد أن تعود السعودية للاقتراض مجددا، خصوصا إذا ما دخلت المنطقة في تحديات يعجز الاحتياطي العام عن مواجهتها لمحدوديته، مضيفا: في هذه الحال أتوقع أن تسلك الدولة خيارات مختلفة عن الطرق التقليدية في ظل تنامي الأدوات المالية الإسلامية كالصكوك.

وبشأن عدم لمس المواطن السعودي لكثير من التحسن على مستوى معيشته رغم الانخفاض المتتابع واللافت للدين العام ابتداء من 2003، أوضح الزامل أن ذلك يعود لعدة عوامل منها بقاء الاعتماد على الإيردات والوظائف الحكومية، حيث ماتزال هناك مسافة غير قليلة بين مشاركة القطاع الخاص في الاقتصاد الوطني والهدف المأمول منه، إلى جانب الافتقار إلى نظام ضريبي متطور، والتقاعس في إيجاد حلول مناسبة لبعض المشاكل الملحة، وفي مقدمتها مشكلة توفير المساكن التي تضاعف أثرها السلبي مع التضخم المستمر في هذا القطاع.

وقلصت السعودية على مدى الأعوام الأربعة الأخيرة حجم دينها العام بشكل مثير للاهتمام، بعد سنوات غير قليلة من العجز أثقل فيها هذا الدين كاهل الميزانية، حتى إنه فاق حجم الناتج الإجمالي عام 2002. وقد نجحت خلال العامين الماضي والحالي في شطب أكثر من 200 مليار من الدين العام دفعة واحدة، لتهبط به من 475 إلى 267 مليار ريال (الدولار يساوي 3.75 ريالا)، رغم تراجع إيرادات 2007 عن مثيلاتها في 2006 بحوالي 34 مليار ريال، وتزايد المصروفات بمقدار 53 ملياراً.


تطلعات على قدر الأرقام

من جهتهم عبر مواطنون سعوديون عن ترحيبهم بالاستمرار في خفض الدين العام، مجمعين على أنها خطوة في الاتجاه السليم لتخليص الاقتصاد الوطني من عبء الدين وتكاليف خدمته، التي يمكن أن تذهب إلى أي مشروع يخدم المواطن ويحسن دخله.

وبنفس الدرجة من الترحيب كان هناك تحفظ واضح عند الحديث عن عدم تزامن انخفاض الدين مع ارتفاع المعيشة طيلة الأعوام الفائتة، متمنين أن تحقق ميزانية السنة الجديدة لهم ما لم تحققه سابقاتها، من توفير فرص أكبر للعمل وتثبيت المزيد من الموظفين على بند الأجور، مع السعي نحو تقليص التضخم وتوسيع مشروعات الإسكان، فضلا عن دعم السلع الأساسية.

ولخص المواطن نواف السالمي رأيه بالقول: من الطبيعي أن تكون الأرقام التاريخية للميزانية دافعا لتطلع الجميع نحو إنجازات من نفس العيار.

وثنّى الموظف فهد الجابر على كلام السالمي واصفا الدين العام بالعقبة الأكبر في طريق تحويل طموحات الحكومة والمواطنين إلى واقع، وبما أن هذه العقبة قد زال معظمها فإن الخير قادم بإذن الله، شرط أن يخلص المسؤولون جهودهم في العمل لمصلحة المواطن، كما ورد في خطاب خادم الحرمين الشريفين بمناسبة الميزانية، على حد تعبير الجابر.